الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال القرطبي: وقال قتادة: المعنى سعة من الضلالة إلى الهدى ومن العَيْلَة إلى الغنى. وقال مالك: السعة سعة البلاد. وهذا أشبه بفصاحة العرب؛ فإن بسعة الأرض وكثرة المعاقل تكون السعة في الرزق، واتساع الصدر لهمومه وفِكَره وغير ذلك من وجوه الفرَج. ونحو هذا المعنى قول الشاعر: آخر: . اهـ. .قال الطبري: .قال الفخر: وقال آخرون: ثبت له أجر قصده وأجر القدر الذي أتى به من ذلك العمل، وأما أجر تمام العمل فذلك محال، واعلم أن القول الأول أولى لأنه تعالى إنما ذكر هذه الآية هاهنا في معرض الترغيب في الجهاد، وهو أن من خرج إلى السفر لأجل الرغبة في الهجرة، فقد وجد ثواب الهجرة، ومعلوم أن الترغيب إنما يحصل بهذا المعنى، فأما القول بأن معنى الآية هو أن يصل إليه ثواب ذلك القدر من العمل، فلا يصلح مرغبًا، لأنه قد عرف أن كل من أتى بعمل فإنه يجد الثواب المرتب على ذلك القدر من العمل، ويدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام: «وإنما لكل امريء ما نوى» وأيضًا ما روي في قصة جندب بن ضمرة، أنه لما قرب موته أخذ يصفق بيمينه على شماله، ويقول: اللّهم هذه لك، وهذه لرسولك أبايعك على ما بايعك عليه رسولك، ثم مات فبلغ خبره أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: لو توفي بالمدينة لكان خيرًا له، فنزلت هذه الآية. اهـ. .قال القرطبي: وقال: والمرَاغَم الذهاب في الأرض. والسَّعَةُ سَعَةُ البلاد على ما تقدم. واستدل أيضًا بعض العلماء بهذه الآية على أن للغازي إذا خرج إلى الَغزْوِ ثم مات قبل القتال له سهمه وإن لم يحضر الحرب؛ رواه ابن لَهِيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن أهل المدينة. ورُوِي ذلك عن ابن المبارك أيضًا. اهـ. .قال الفخر: وثانيها: أنه ذكر بلفظ الأجر، والأجر عبارة عن المنفعة المستحقة، فأما الذي لا يكون مستحقًا فذاك لا يسمى أجرًا بل هبة. وثالثها: قوله: {عَلَى الله} وكلمة {على} للوجوب، قال تعالى: {وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت} [آل عمران: 97] والجواب: أننالآننازع في الوجوب، لكن بحكم الوعد والعلم والتفضل والكرم، لا بحكم الاستحقاق الذي لو لم يفعل لخرج عن الإلهية، وقد ذكرنا دلائله فيما تقدم. اهـ. .قال القرطبي: قال عكرمة مولى ابن عباس: طلبت اسم هذا الرجل أربع عشرة سنة حتى وجدته. وفي قول عِكرمة هذا دليل على شرف هذا العلم قديمًا، وأن الاعتناء به حَسَنٌ والمعرفة به فضل؛ ونَحْوٌ منه قول ابن عباس: مكثت سنين أُريد أن أسأل عمر عن المرأتينِ اللتينِ تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما يمنعني إلاَّ مهابته. والذي ذكره عِكرمة هو ضَمْرة بن العِيص أو العِيص بن ضمرة بن زِنْبَاع؛ حكاه الطبريّ عن سعيد بن جبير. ويُقال فيه: ضُمَيرة أيضًا. ويُقال: جُنْدَع بن ضَمْرة من بني ليث، وكان من المستضعَفين بمكة وكان مريضًا، فلما سمع ما أنزل الله في الهجرة قال: أخرجوني؛ فهيء له فراش ثم وضع عليه وخرج به فمات في الطريق بالتّنْعيم، فأنزل الله فيه {وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا} الآية. وذكر أبو عمر أنه قد قِيل فيه: خالد بن حِزَام بن خُوَيْلد ابن أخي خديجة، وأنه هاجر إلى أرض الحبشة فنهشته حية في الطريق فمات قبل أن يبلغ أرض الحبشة؛ فنزلت فيه الآية، والله أعلم. وحكى أبو الفرج الجَوْزِيّ أنه حبيب بن ضمرة. وقيل: ضمرة بن جُنْدب الضمريّ؛ عن السدّيّ. وحكي عن عِكرمة أنه جندب بن ضمرة الجُنْدَعِيّ. وحكي عن ابن جابر أنه ضمرة بن بغِيض الذي من بني ليث. وحكى المهَدوِيّ أنه ضمرة بن ضمرة بن نُعيم. وقيل: ضمرة بن خُزَاعة، والله أعلم. وروى معمر عن قتادة قال: لما نزلت {إِنَّ الذين تَوَفَّاهُمُ الملائكة ظالمي أَنْفُسِهِمْ} الآية، قال رجل من المسلمين وهو مريض: واللَّهِ ما لي من عذرٍ إني لدليل في الطريق، وإني لموسِر، فاحملوني. فحملوه فأدركه الموت في الطريق؛ فقال أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم: لو بلغ إلينا لتَمّ أجره؛ وقد مات بالتنعيم. وجاء بنوه إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم وأخبروه بالقِصة، فنزلت هذه الآية {وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا} الآية. وكان اسمه ضَمْرة بن جُنْدب، ويُقال: جندب بن ضمرة على ما تقدّم. اهـ. .قال الألوسي: .قال الفخر: وهذا ضعيف، لأن لفظ الآية مخصوص بالأجر، وأيضًا فاستحقاق السهم من الغنيمة متعلق بحيازتها، إذ لا تكون غنيمة إلا بعد حيازتها، قال تعالى: {واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُم مّن شَىْء} [الأنفال: 41] والله أعلم. اهـ. قال الفخر: {وَكَانَ الله غَفُورًا رَّحِيمًا} أي يغفر ما كان منه من القعود إلى أن يخرج، ويرحمه بإكمال أجر المجاهدة. اهـ. .قال القرطبي: {رَّحِيمًا} حين قَبِل توبته. اهـ. .قال أبو السعود: .قال في الأمثل: ولذلك نرى انفصام كل هذه العلاقات في الصدر الأوّل للإِسلام ومن أجل حماية الإِسلام وتقدمه، وفي هذا المجال يقول أحد المؤرخين الغربيين: إنّ القبيلة والعائلة هما الشجرة الوحيدة التي تنبت في الصحراء، ولن يستطيع أحد الحياة دون اللجوء إِليها، إِلاّ أنّ محمّدًا صلى الله عليه وآله وسلم قد قلع هذه الشجرة التي نمت بلحم ودم عائلته، وفعل ذلك من أجل ربه وخالقه (فقد فصم النّبي صلى الله عليه وآله وسلم علاقته بقريش في سبيل الإسلام). علاوة على ما ذكر فإِن من بين جميع الموجودات الحيّة، حين تتعرض حياة أي واحدًا أو مجموعة منها إِلى الخطر، نراها تضطر إِلى ترك مكان تواجدها والهجرة منه إِلى مأوى وملجأ أمن آخر، والكثير من أبناء البشر الأقدمين عمدوا إِلى الهجرة من مكان ولادتهم- بسبب تغير الظروف الجغرافية فيه- إِلى نقاط أُخرى من العالم من أجل مواصلة الحياة، وليس البشر وحدهم الذين مارسوا الهجرة، بل هناك من بين الحيوانات أنواع كثيرة عرفت بالحيوانات المهاجرة، مثل الطيور التي تضطر أحيانًا إِلى الدوران حول الأرض تقريبًا من أجل إِيجاد مأوى تواصل فيه حياتها، وبعض هذه الطيور تهاجر من القطب الشمالي إِلى القطب الجنوبي، وأحيانًا تقطع مسافة حوالي (18) ألف كيلومتر للوصول الى المكان الذي تريد العيش فيه.
|